دراسات متناقضة: هل الذكاء الاصطناعي بريء من تهمة "تدمير الوظائف"؟

دراسات متناقضة: هل الذكاء الاصطناعي بريء من تهمة "تدمير الوظائف"؟

الذكاء الاصطناعي وتأثيره على الشباب في سوق العمل
الجدل حول تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل مستمر منذ سنوات، وبخاصة فيما يتعلق بخريجي الجامعات الجدد والعمال الشباب في بداية مسيرتهم المهنية. أظهرت الدراسات الحديثة نتائج متباينة، فبينما أشار فريق إيكهارت وغولدشلاج إلى أن الذكاء الاصطناعي لم يترك أثرًا يُذكر على معدل البطالة العام وأن الفروقات بين العمال الأكثر والأقل تعرضًا له كانت طفيفة جدًا تتراوح بين 0.2 و0.3 نقطة مئوية، جاءت دراسة برينجولفسون وتشاندار وتشن بنتائج مختلفة بشكل جذري.

ركود توظيف الشباب في المهن التقنية
ركزت دراسة برينجولفسون وتشاندار وتشن على توظيف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين اثنين وعشرين وخمسة وعشرين عامًا في المهن الأكثر تأثرًا بالذكاء الاصطناعي، مثل تطوير البرمجيات وخدمة العملاء، ووجدت أن هذه الفئة شهدت انخفاضًا بنسبة ستة بالمئة في التوظيف منذ أواخر عام 2022 حتى يوليو 2025. في المقابل، استمر نمو التوظيف للعمال الأكبر سنًا في نفس المهن بنسبة تتراوح بين ستة وتسعة بالمئة، بينما شهد العمال في المهن الأقل تأثرًا بالذكاء الاصطناعي نموًا مماثلًا لجميع الأعمار. هذه النتائج تشير إلى أن التأثير الكلي للذكاء الاصطناعي على سوق العمل لا يزال محدودًا وأنه يتركز بشكل خاص على العمال الشباب في بداية مسيرتهم المهنية.

تناقض الدراسات والأرقام
تحليل البيانات بين الدراسات يظهر تفاوتًا ملحوظًا. ففي حين لم تسجل دراسة EIG أي انخفاض مهم في معدل البطالة بين العمال الأكثر تعرضًا للذكاء الاصطناعي، وجدت دراسة برينجولفسون وتشاندار وتشن أن هناك ركودًا في نمو توظيف الفئة العمرية 22 إلى 25 عامًا في المهن المعرضة للتأثير التكنولوجي، بينما استمر نمو التوظيف بين العمال الأكبر سنًا. هذه الفروق توضح أن الذكاء الاصطناعي لم يصل بعد إلى مستوى يشكل تهديدًا شاملًا للوظائف، لكنه بدأ يؤثر على فئات محددة من القوى العاملة.

المبالغة الإعلامية والواقع
القلق حول الذكاء الاصطناعي وتأثيره على الوظائف يرتبط بظهور أدوات مثل روبوتات الدردشة وتقنيات البرمجة المعززة بالذكاء الاصطناعي، التي يمكن أن تقلل الحاجة إلى بعض المهارات التقنية البسيطة. بعض التقارير الإخبارية تميل إلى المبالغة، معتبرة أي تباطؤ في التوظيف دليلًا قاطعًا على أن الذكاء الاصطناعي "يدمر الوظائف"، بينما يحذر الباحثون من ربط أي مجموعة ضعيفة الأداء تلقائيًا بالذكاء الاصطناعي دون تحليل دقيق.

قيود الدراسات الحالية
من بين القيود المهمة أن تأثير الذكاء الاصطناعي تم قياسه غالبًا عبر مقاييس مثل مقياس فيلتن 2021 أو مؤشر الاقتصاد الأنثروبي، وقد يكون بعضها غير دقيق أو يقيس استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين الأداء وليس استبدال الوظائف. كما أن الدراسات ركزت على خريجي الجامعات الجدد، بينما لم تُحلل بعد تأثير الذكاء الاصطناعي على فئات عمرية أخرى بنفس التفصيل. إضافة إلى ذلك، لم يُسجل انخفاض في الأجور رغم التغيرات في التوظيف، ما يشير إلى أن الطلب الكلي على العمالة لم ينخفض بعد بشكل واضح.

خلاصة التحليل: الواقع مقابل القلق
يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي لم يدمّر الوظائف بعد، لكنه بدأ يؤثر على فرص التوظيف لدى الشباب في بعض المهن التقنية وخدمة العملاء، بينما العمال الأكبر سنًا لم يتأثروا، ويبدو أن الخبرة والقدرات التكميلية للذكاء الاصطناعي توفر حماية نسبية لهم. في الوقت الحالي، القلق من تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل مبالغ فيه عند ربطه بأي انخفاض وظيفي صغير مباشرة بالذكاء الاصطناعي. المستقبل ما زال مفتوحًا، وما زلنا بحاجة إلى مراقبة الاتجاهات بعناية لمعرفة ما إذا كانت هذه التأثيرات ستتسع لتشمل فئات أوسع من العمال أم لا.

شارك هذا المقال